الحــب ...بين افكار الفلاسفة والواقع المعاصر

فريدون الهرمزي
كتب انيس منصور في مقال له: "وفي مدينة تبنجنن في حديقة التأوهات- هنا يجلس الطلبة يتكلمون في الحب- حب الانسان للانسان وليس حب الفلسفة والفلاسفة والمعاني المجردة.. حتى ضاق بهم الاساتذة ثم انفرد بهم الشاعر اولمان يسخر منهم ومن سخافاتهم، ولما مات الشاعر اقاموا له تمثالاً فيه كل العيوب الفنية انتقاماً منه.. وهم يفضلون همس القبلات وصمت الاحضان عن القافية والوزن".



كتب منصور عن الحب كصحفي وكاتب محب للفلسفة، مطلعاً على مذاهبها وقارئاً لنتاجات أعلامها وهو ليس الكاتب الاول الذي يتناول موضوع الحب في كتاباته ولن يكون الاخير قطعاً فالحب ظاهرة حياتية وحقيقة علمية وغريزة اساسية مثل الخوف والغضب والفرح وهو من اسمى العواطف في الوجود، لكن الذي فعله انيس منصور هنا هو تسليطه الضوء على التباين في وجهات النظر حول الحب بين الفلاسفة والشعراء والمفكرين من جهة وبين المحبين من عامة الناس، يقعون في الحب ويعيشونه يسعدون به او يتعسون دون ان يدخلوه في عالم التنظير، قد تجد من بينهم من يتأثر بمقولة لفيلسوف قالها عن الحب او تسمع احدهم يقرأ عليك ابيات غزل لشاعـر كـ (ولى ديوانه) قتله الحب وخلده، لكنه عندما يقابل من يحب ينسى الاقوال المأثورة كلها ولا يحضره من القوافي الا ما يفسر له الحب على طريقته الخاصة وحسب مفهومه لهذه العاطفة المتأججة. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ايهما اكثر ملائمة مع الواقع المعاش.. نظرة الفلاسفة للحب أم نظرة العامة له؟ طرحنا سؤالنا هذا على عدد من الاشخاص، فكانت هذه الاجابات:



*عبدالله حسين (حقوقي)

-قديماً قالوا (كل يبكي على ليلاه) اي ان كل شخص ينظر الى الحب من منظاره فحتى الشعراء والفلاسفة لم يتفقوا على ماهية الحب حتى لو اتفق بعض منهم او تشابهت ارائهم في شكلياته فعدد منهم عد الحب مرضاً من الامراض فها هو عروة بن حزام يقول:



بذلت لعراف اليمامة حكمه

وعراف نجد ان هما شفياني

فما تركا من سلوة يعرفانها

ولا رقية الا بها رقياني

فقالا شفاك الله! والله ما لنا

بما ضمنت منك الضلوع يدان



ففي حين يتمنى الشاعر هذا ان يشفى من مرض الحب ويبذل جهوداً من اجل ذلك نجد جلال الدين الرومي يقول "ان جميع المرضى يتمنون البرء من سقمهم الا ان مرضى الحب يستزيدون المرض ويحبون ان يضاعف في المهم وحنينهم. لم ار شراباً احلى من هذا السم، ولم ار صحة افضل من هذه العلة."



لذا اعتقد ان اراء الفلاسفة صالحة للقراءة فقط اما الحب الحقيقي هو الحب الذي ينبعث من اعماق الانسان كنور جميل يضيء له دروب الحياة المظلمة. والنور المنبعثة من اعماقي لا تشبه الانوار التي تنبعث في اعماق اي واحد منكم.



*خه نده علي (موظفة)

-للسياسة منظريها وللمدن مهندسيها اما الحب فهو شيء آخر لايمكن التنظير فيه ولا تصميمه وفق قياسات معينة وكدليل لما اقول لايوجد هناك تعريف للحب متفق عليه من قبل ثلاثة مفكرين لأن الحب مشروع حياتي بين شخصين اثنين لا اكثر وهناك اختلافات موضوعية كبيرة في مفهوم الحب بين المجتمعات المختلفة ففي المجتمعات الشرقية الحب هو مشروع للزواج والحياة المشتركة لكن في المجتمعات الغربية للمسألة شكل آخر فعندما يقع الانسان الغربي في الحب لا يفكر في الزواج الا في مراحل لاحقة.



*كارزان محمد (معلم)

الكتاب والمفكرون عندما يكتبون عن الحب ويبحثون فيه فانهم يصورونه كاجمل العواطف واجملها وابهاها وهم صادقون في ذلك لكن الواقع شيء آخر مختلف كل الاختلاف مع نظريات الفلاسفة عن الحب، خاصة في دول العالم الثالث لأن الحب عندنا جريمة من الجرائم الكبرى فيذبح المحب من الوريد الى الوريد اذا ما اظهر حبه للعيان حتى ان شعرائنا الكبار اخفوا اسماء حبيباتهم عندما تغزلوا بهن خوفاً من سكاكين الذين يتشدقون باقوال المفكرين عن الحب والذين يبكون لدى سماعهم القصائد الغزلية لكن عندما يرون محباً بلحمه ودمه فأنهم لا يتحرجون من احراقه حياً.



*سالار مجيد (طالب جامعي)

-لم يعد المفكرون المعاصرون يكتبون عن الحب كما كان اسلافهم يكتبون، لأن الحب المعاصر يشبه الهمبرجر واغاني هيفاء وهبي وحبوب الباراسيتول المقلدة التي لا تشفي اوجاع الرأس وآلام المفاصل.